ومن أجل دراسة الاستعارة في الترجمة تفترض كروجر ضرورة الاستعانة بنظريات الاستعارة وخصوصا نظرية التفاعل التي طورها جراب Grabe في دراسة بعنوان «السمات المحلية والكونية لعمليات التفاعل في الاستعارة الشعرية» التي نشرها في دورية Poetics عام 1984وفي كتابه «الاستعارة والتفسير» المنشور عام 1985. وهنا ترى كروجر أن من الضروري دراسة الجوانب «الكونية » أي النصانية للاستعارة وليس فقط جوانبها «المحلية» أو النحوية. والفرق بين الاثنين أن النظرة الكونية للاستعارة تأخذ في عين الاعتبار ليس فقط السمات النحوية التي تميز الاستعارة المفردة وانما اعتبار الاستعارة جزءا تتداخل أجزاؤه وترتبط ببعضها مشكلة الكل النصي. والرواية محل الدراسة فإن بناء الشخصية يعتمد على التفاعل الكوني (النصي) بين الاستعارات التي تعكس بيئة النص أو سياقه المتموضع في الحقل والغابة والبحر. ولعل كروجر تشير الى ما أسماه محمد خطابي بالتعالق الاستعاري في النص بحيث تشكل الاستعارات جزءا مهما من أدوات الارتباط النص.
وترى كروجر فرقا بين الاستعارات التي تبدو متشابهة كالاستعارة الميتة كقولنا “Man is a wolf" أو (الانسان ذئب) والاستعارة الأدبية الموجودة في الاستعارة “Fiela is an animal” أو (فايلا حيوان) لأن الثانية مرتبطة ارتباطا تفاعليا بالاستعارات الأخرى في نموذج حياة الريف والحقول بهدف بناء شخصية فايلا كامرأة ريفية، ويمكن التدليل على سمتي المحلية والكونية في الاستعارة من خلال تحليل الاستعارة التالية التي تصف فايلا بطلة الرواية:
Hulle het jou klaar hokgeiaag, Fiela Komotie (p.48)
التي يمكن ترجمتها كما يلي:
لقد طاردوك الى القفص
فبالاضافة الى سماتها الداخلية كاستعارة منفردة فإن هذه الاستعارة ترتبط ارتباطا وثيقا بالاستعارات الأخرى في النص مشكلة الشخصية الروائية. فجميع الاستعارات تبني شخصية فايلا كامرأة فقدت السيطرة على مجريات حياتها وان الآخرين يتحكمون فيها، فتصفها استمارة أخرى بأنها "مثل حيوان أخرس اقتيد الى القفص، تشعر فايلا ان باب القفص قد أغلق وراءها". ولهذا تشعر بأن انسانيتها انتهكت وهذا ما يفسر وجود هذا الكم من الاستعارات الحيوانية مثل «لقد أدركت فايلا ما كانت تشعر به أمها حينما حلق الصقر فوقها ولم يكن أمامها من مأوى تطلق ساقيها اليه».
وعموما ترى كروجر أن الاستعارات التي تستخدمها الرواية تستلهم حياة الحقل مصدرا لها مشكلة شخصية فايلا كفلاحة وامرأة ريفية بسيطة لكنها أبية لا تنقصها الكبرياء، ولأنها غير متعلمة فإن حديثها يأتي بسيطا يعكس البيئة التي نشأت وتعيش فيها.
وترى كروجر أن التحدي الذي يواجه المترجم هو الابقاء على ذات الترابط العضوي (أو التعالق الاستعاري كما يسميه محمد خطابي) بين الشخصيات وحديثها والبيئة التي تجد نفسها فيها وتعكسها في حديثها.
فقد ترجمت الاستعارة الآنفة الذكر الى اللغة الانجليزية بالصيغة التالية:
They have you cornered you already, Fiela Komoetie, she told herself.
التي قد يكون مقابلها الحرفي في اللغة العربية التالي:
"قالت لنفسها: لقد طوقوك يا فايلا كوموتي"
وكما ذكرنا سابقا فإن صورة «القفص» و "الحيوان" جزء من تشكيل شخصية فايلا، ولهذا فإن المترجم بترجمته صورة الحيوان الموضوع في القفص الى صورة «طوقوك» قد أضاع بنموذج حياة الريف التي حاول الراوية خلقها في النص الأصلي متجاهلا بذلك دور تلك الاستعارات في بناء شخصية فايلا كفلاحة بسيطة. وبكلمة أخرى فعل الرغم من أن صورة «التطويق» تعكس دلالة قريبة من الدلالات التي تعكسها صورة الحيوان الموضوع في القفص (دلالة فقدان الحيلة على فعل شيء) إلا أن الايحاءات المتعلقة بانتهاك انسانيتها ويعدم احترام كبريائها كإنسانة قد تم تجاملها من قبل المترجم. وهذا التجاهل كان من الممكن حله لو أن المترجم أبقى على نفس صورة «القفص» و«الحيوان المطارد».
ونفس المشكلة تظهر في ترجمة الاستعارة التالية:
Hulle was haar aan die vaskeer
والتي تقابل حرفيا في العربية:
مثل حيوان اخرس سيق الى القفص
فقد ترجمت في اللغة الانجليزية الى:
They were driving her into a corner
والتي تقابل في العربية:
كانوا يحاصرونها
فقد تجاهلت هذه الترجمة صورة الحيوان المطارد الى القفص، وهذا التجاهل ذو أهمية لأن هذه الصورة ترتبط عضويا في السياق الكوني النصاني، لأنها تساعد في بناء شخصية فايلا كامرأة أفقدت انسانيتها وتحولت الى حيوان. ومما تأسف له كروجر أن معظم الاستعارات قد تم تغيير صورتها في الترجمة أو أنها قد حولت الى المعنى دون الاحتفاظ بالصورة الأصلية ذات الأهمية في بناء الشخصية الروائية. فالاستعارات التي تنطق بها فايلا في الترجمة الانجليزية لا تعكس أي شيء عن بيئة النص وأهمية تلك البيئة في بناء الشخصية الروائية، وهذا الفشل يوجد أيضا في الاستعارات التي تأتي على لسان الشخصيات الأخرى في الرواية. وتخلص دراسة كروجر الى حقيقة مفادها أن الترجمة "الخاطئة" للاستعارة قد يكون لها عواقب دلالية وتواصلية تتجاوز الاستعارة المفردة لتمس بعض أركان العمل الأدبي كبناء الشخصية في الرواية وهذا ما يؤثر على تقبل القاريء للعمل الروائي المترجم ونجاح هذه الترجمة.
والنتيجة التي توصلت اليها كروجر مهمة جدا ويجب على منظري الترجمة تطويرها من حيث دراسة روايات أخرى من لغات أخرى كاللغة العربية التي تنقصها مثل هذه الدراسات إضافة الى دراسة أنواع أدبية أخرى غير الرواية كالشعر والمسرح حيث قد تظهر عوامل أخرى تنبع من خصوصية بنية النص الشعري أو المسرحي لها تأثير مهم في تعامل المترجم مع الاستعارة، اضافة الى الجانب النظري فإن هذه النتيجة ذات أهمية بالنسبة للمترجمين أنفسهم بحيث لا يعفون بالتعامل مع الظاهرة اللغوية كالاستعارة في ذاتها وانما بربطها بالمستويات الأخرى من التعبير اللغوي كالنص وبنيته الكبرى. وهنا نشير الى عبرة أخرى نستفيدها من دراسة كروجر وتتعلق بالعلاقة بين المترجم والمؤلف فهناك اعتقاد سائد أن افضل مترجم للنص (الأدبي خصوصا) هو مؤلفه ذاته ان تمكن من لغة الترجمة، وهو ما أظهرت هذه الدراسة عدم صحته من خلال دراسة الكيفية التي ترجمت بها الاستعارة وتجامل (أو جهل) المؤلف. المترجم للارتباط العضوي في النص.
3- فيفين لوكس: عودة الى الاستعارة المفردة
والدراسة الثالثة التي سنستعرضها هنا هي لنيفين لوكس E. Vivienne Lux عنوان "الاستعارة وترجمتها" والقاها في مؤتمر FIT الدولي للترجمة الذي انعقد في مدينة برايتون البريطانية في الفترة من 6- 13 من أغسطس من عام 1993 تحت شعار "الترجمة: الحلقة الحيوية" Translation- the Vital Link وتنقسم دراسة لوكس الى خمسة أقسام. يناقش القسم الاول من الدراسة تعريف مصطلح ****phor يقابله مفهوم «الاستعارة» في اللغة العربية. ويرى أن هذه الكلمة مستمدة من الكلمة الاغريقية ****phora المكونة من شقين: **** الذي يعني "فوق" وpherein الذي يعني "يحمل" وبذا فإن الدلالة الاصلية لكلمة ****phor هي دلالة استعارية في ذاتها كما يقول لوكس. وفي القسم الثاني من الدراسة يناقش لوكس الكيفية التي تجعل من الاستعارة أمرا أساسيا في الفكر واللغة حيث ان الاستعارة تسوغ القدرة الادراكية للمتحدثين وهي أيضا مصدر تتجدد به اللغة بسبب ربط الكلمات بدلالات جديدة لم ترتبط بها من قبل. أما في القسم الثالث فيحاول لوكس الاجابة على تساؤل حول سبب كون الاستعارة مشكلة مركزية في الترجمة. والمشكلة في رأيه تكمن في أن الاستعارة غامضة طبعها وتحمل في العادة استخداما ابداعيا شخصيا للغة يرتبط في العادة بثقافة اللغة التي انتجت فيها الاستعارة. ثم يتساءل في القسم الرابع حول تطور الرؤية المعاصرة للاستعارة، فيستعرض آراء الكلاسيكيين مثل أرسطو ورأيه الشهير في الاستعارة الذي ينزلها منزلة عليا بحيث تكون "رمز العبقرية" مرورا بالقرون الوسطى والرومانتيكيين الذين اعتبروا الاستعارة وسيلة لاكتشاف العالم وأهميتها التخيلية والعاطفية، بحيث اعتبروها مركز اهتمامهم، حتى العصر الحديث وريتشاردز الذي اعتبر أن اللغة والاستعارة خصوصا هي مصدر وجود الحقيقة (أي الفكر يعتمد على اللغة)، ولاكوف وجونسون اللذان شككا في وجود مفاهيم إدراكية ذات طبيعة غير استعارية.
وفي القسم الأخير من دراسة لوكس القصيرة يتناول كيفية ترجمة الاستعارة، ويحدد حديثه بالاستعارة الأصيلة في النصوص الأدبية وغير الأدبية. فيرى أن من الصعوبة تعريف الاستعارة الأصيلة لأن ما هو استعارة أصيلة اليوم قد يصبح تعبيرا مستهلكا بعد أن يتكرر استخدامه وتلوكا الألسن. ويرى لوكس أن القانون الذي يمكن للمترجم اعماله في ترجمة الاستعارة هو «كلما ابتعد النص الأصلي من الاستخدام العادي وكلما ازدادت اهمية النص، استوجب انتاج ترجمة قريبة من الأصل. كذلك تظهر الاستعارات في النصوص غير الأدبية كالنصوص الاقتصادية كما في الصحافة المختصة في الأمور الاقتصادية. وتظهر مشكلة الترجمة حينما يكون مفهوم معين مفعل في الاستعارة ذو خصوصية محلية وتكون مرتبطة بثقافة لغة الأصل. كما تظهر الاستعارة المستمدة من الأدب في النصوص غير الأدبية كايحاء أدبي لتشكيل وسيلة مختصرة لتلخيص وضع معقد. ويعتمد هذا على اعتقاد مسبق مفاده أن فهم الاستعارة لن يصعب على القاريء وهذا ما يسبب مشكلة حينما تترجم الاستعارة الى لغة أخرى.
يتبع............