مقدمة
لقد امتازت سلطنة عمان منذ القدم بتاريخها الطويل الذي ميزها عن غيرها من البلدان المجاورة لها والذي أدى بدوره إلى وجود مراكز حضارية عريقة يشع منها نور الحضارة والعلم ، قادة بلدانها إلى التقدم والرقي .
تعتبر مدينة نزوى من المدن العمانية القديمة ، وهي مدينة التاريخ والعلم والتراث ، وقلعة الأصالة والمجد الشامخ ، وكما عبر عن ذلك مولانا صاحب الجلالة في خطابه التاريخي في مدينة نزوى العامرة بمناسبة العيد الوطني الرابع والعشرين المجيد سنة 1994 م : (( كان لها دور بارز في مسيرة الحضارة العمانية لا يزال يتألق نورا وضياء ، ورفعة وجلالا ، لقد كانت نزوى معقل القادة والعظماء ، وموئل العلماء والفقهاء ، ومرتاد الشعر والأدباء فأعظم بها من مدينة لها في قلوب العمانيين منزلة عالية ))
وهناك من الصعوبات التي تواجهنا في البحث ونبش في تاريخ هذه المدينة العريقة ما يساوي العزيمة والرغبة في الحصول وجمع المعلومات عنها ، إذ لا تسعفنا المصادر والمراجع القليلة والشحيحة عندما نتعرض للخوض في تاريخ هذه المدينة العريقة قبل الإسلام ، ولا نستطيع حيال ذلك إلا أن نتحلى بالصبر ، وعسى أن تظهر لنا بعض الدراسات الحديثة تسد بعض الفقرات من تاريخ هذه المدينة العريقة . اذ أنه لا نجد من ذكر لهذه المدينة إلى في القرن الأول الهجري ، عند التعرض لحياة الإمام جابر بن زيد ، حيث تحدد المصادر مولد الإمام بين ( 18 -22 ) من القرن الأول الهجري في بلدة فرق من أعمال نزوى ، وهو من قبيلة اليحمد إحدى قبائل الازد .
نشأتها
يتضح لنا من استقراء التاريخ أن نشأة نزوى مع نشأة عمان وسومريون هم أول من عمر عمان واستوطنوها واستخرجوا النحاس ، أي ان أول نحاس يستخرج في العالم هو النحاس العماني ، واول من استخرجه هم السومريون ، وذلك في القرن الرابع الميلادي .
أما نزوى فجاءت نشأتها على يد عرمان بن عمرو الازدي ، وذلك قبل ما يقارب ستة آلاف وخمسمائة سنة ، ولما جاء الفرس بعده لم يغيروا أسماء البلدان ، بل سموا بعض البساتين والحواري بأسماء أصحابها ، او أسماء الطبيعه بلغتهم ، كما هو الحال في نزوى كبستان خوارزم ، وبستان ميرزه ، وهي أسماء أعجمية ، وكرادسيين إسم محلة كرادسيين اسم أعجمي ، ووادي كلبوه ، وأصله وادي جلبوه ، أي وادي الزهور باللغة الفارسية ، وكثير من ذلك . ولعل كثير من الأمكنة أعيدت تسميتها إلى العربية ، ولقد كانت أرض نزوى تشغلها الزراعة أكثر من العمارة الإنشائية ، حتى جاء العرب ونما السكان فيها نموا كبيرا وعمرت عمارا مزدهرا حتى القرن الرابع الهجري القرن العاشر الميلادي . بعد الحروب الواقعة بعد الإمام الصلت بن مالك الخروصي رحمه الله ، ثم حروب محمد بن بور .
أما الحواري فمنها ما أنشئ في عهد الائمة بني خروص ، ومنها ما أنشئ في عهد النباهنة ، ومنها ما أنشئ في عهد اليعاربة ، ولم يبقى من المحلات القديمة سيبا وشرمه والشرجة إلا الأطلال ، ودوام الحال من المحال ، والباقي الدائم هو الله .
ينسب للإمام الخليلي آخر ضيوف مقبرة العباد .. أن نزوى - هي طوي بقرب القلعة تدعى نز – وتطورت التسمية إلى نزوى - وإذا صحت الرواية تكون نزوى مثل مكة هبة بئر زمزم .
موقعها الجغرافي
تقع نزوى على سفح الجبل الأخضر من جهته الجنوبية ، تحدها من الجهة الشرقية ولاية أزكي ، ومن الجهة الشمالية الجبل الأخضر ، ومن الجهة الغربية ولاية بهلا ، ومن الجهة الجنوبية ولاية منح ، ونزوى تتعدد طبوغرافيتها منها سهول منبسطة وواحات خضراء وحدائق غناء ، وترويها ألا فلاج والآبار ، تنساب خلالها الأودية والشعاب ، وأوديتها ذات حصباء منها فيروزية ومنها ماسية ، تروق لناظرها ، ومرتفعات جبلية تحيط بها كدروع سابغة ، تحصنها وتغذيها بالمياه العذبة النقية ، ويعتبر الجبل الأخضر من أهم الجبال في الشرق الأوسط من الناحية الزراعية والسياحية ، ويعد حصنا منيعا بسبب التضاريس الصعبة فيه . وعلوه وكهوفه التي تكون مخبأ حصينا عند الحاجة، ويشرف على ثلاث ولايات ، فمن جهة الغرب يشرف على ولاية الحمراء ، ومن جهة الشمال يشرف على ولايتي الرستاق والعوابي ، وأما من الجهة الشرقية الجنوبية فيشرف على ولاية أزكي ، أما امتداده الصخري فيشرف على عدد من الولايات ، أقربها اليه ولايتا سمائل وبدبد من الجهة الشرقية ، وولاية نخل من الجهة الشمالية ، وتبلغ مساحة نزوى بما فيها من نيابتا الجبل الأخضر وبركة الموز حوالي ثلاثة آلاف وستمائة كيلومتر مربع ، ويبلغ عدد السكان في نزوى 47725 نسمة بما في ذلك النيابتان ، ومساحة نزوى وحدها يبلغ حوالي ستة وثلاثين ألفا ، وهذا التعداد حسب إحصاءات عام 1993م. والجدير بذكر ان الجبل الأخضر يعتبر بمثابة خزان يمد تلك الولايات ، وما اتصل بها وما جاورها بالمياه التي يحتفظ بها من هطول الأمطار .
وأهم المدن والقرى بنزوى هي : نزوى نفسها ، فرق ، وردة البوسعيد ، طيمساء ، كرشاء ، بركة الموز ، كمه ، تنوف ، سيق ، الشريجة ، ودي ، بني حبيب .
أحداث تاريخية
ومن الطبيعي ان تكون نزوى حافلة بالأحداث التاريخية التي جرت في العمان بما أنها ولفترة من الفترات أصبحت عاصمة للإمامة و أرتبط مصيرها بعمان كلها . ونستطيع ان نجمل بعض هذه الأحداث التاريخية المهمه منها فقط ونترك بعض الأحداث لقلة أهميتها . ومن هذه الاحداث الهامه :
ويذكر أن غسان بن سعد الهناني تمكن من نهب نزوى عندما هزم بني نافع وبني هميم سنة 145هـ وقتل الكثير من أهلها في تلك الفترة . وهذه الهزيمة أدت إلى تدخل قبيلة الحرث الذين تحركوا من إبرا ومعهم رجل من بني بكر اسمه زياد بن سعيد البكري ، الذين تمكنوا في النهاية من قتل غسان بعد أن قدموا على هدم المنازل وقطع النخل .
حدث الانقسام بين أهل عمان في فترة الإمام عزان بن تميم الخروصي سنة 277هـ وهي الفترة التي بدأ بها إمامته بعد عزل راشد بن النضر ، ولعل أهم الأحداث ذلك الانقسام الذي حل بين العمانيين والذي أدى بالتالي إلى أن يستعين كل من محمد بن القاسم وبشير بن المنذر وهما من النزارية بمحمد بن نور والي البحرين من قبل الخليفة العـباسي المعتضد بالله (279-289هـ) .
وعندما وصل ابن نور إلى جلفار وافتتحها ووصل بعد ذلك إلى توام سنة 280هـ ويذكر أن الناس تخاذلت عن الإمام عزان ...ووصل محمد بن نور إلى نزوى التي سلمت له ، لان الإمام كان قد تحرك إلى سمد الشان ولحق به الوالي العباسي هناك ودارت معركة و أبلى فيها الإمام ومن كان معه بلاء حسنا ولكن الكثرة تغلب الشجاعة كما هو معروف ، وحلت الهزيمة على أل عمان وقتل عزان بت تميم . وعندما رجع الوالي العباسي الى نزوى ارتكب بها وبأهلها أبشع الجرائم ، ودفن الأنهار ، واحرق الكتب ، ويذكر انه أقام ببهلا ، وجعل على نزوى عاملا من قبله هو أحمد بن هلال . وشهدت هذه الفترة من الزمن تدهور الحال بعمان مدة اربعين سنة من بعد وقعة ابن نور .
وعندما آل الأمر إلى بني نبهان (549-1034هـ) اتخذوا نزوى عاصمة لهم ، وفي عهدهم يقول الدكتور عبدالله الحارثي خرجت قبيلة آل الريسي على سلطة ملوك بني نبهان في عهد الملك كهلان بن عمر بن نبهان ، تناصرها قبيلة الحدان وذلك لضغينة بينهم وبين ملوك بني نبهان ، حيث قصدوا عقر نزوى مقر ملك بني نبهان ، ولما علم بني نبهان عن ذلك خرج العسكر ومن معهم من أهل العقر ليصدوهم عن دخول نزوى ، فعلم المهاجمون بخروج العسكر وأهل العقر فسلكوا طريقا آخر ليتجنبوا الاشتباك معهم ويدخلوا نزوى وهي خالية من المدافعين عنها ، فتم لهم ما أرادوا ، ودخلوا دون أن يتصدى لهم أحد ، فاقتحموا سوقها ونهبوا ما به ثم أضرموا فيها النيران التي امتدت إلى مخازن جامعها ، فاحترقت بمحتوياتها ، ومن ضمنها العديد من الكتب ، وبعد ذلك نهبوا المنازل ، وسلبوا الأموال وسبوا النساء .
وحينما صارت الأمور إلى اليعاربة وبايع أهل الحل والعقد الإمام ناصر بن مرشد 1034هـ فتح مدينة نزوى دون اراقت الدماء وتلقاه أهلها بالكرامة ودخلها على حال السلامة ونزل منها بالعقر وأقام فيها العدل والإنصاف ، ويذكر أنه أمر ببناء حصن في عقر نزوى أو انه كان قديما بناه الإمام الصلت بن مالك ، فأتم بنيانه . وأتم الإمام سلطان بن سيف بن مالك ابن عم الإمام ناصر بن مرشد السيرة الحسنة في نزوى وبنى فيها قلعة نزوى التي تعرف بالشهباء ، وسيأتي الحديث عنها في عنوان لاحق .
مكانتها الاجتماعية
حضيت نزوى منذ زمن وحتى ألان بمكانة اجتماعية رفيعة ومنزلة عالية ، . ويرجع الباحث احمد بن سعود السيابي هذه المعزة والمكانة الاجتماعية التي يكنها العمانيون لنزوى والتي تميزت بها نزوى عن غـيرها من المدن العمانية ، الى عاملين رئيسين . وهما :
أولا : مقر الحكم :
صارت نزوى مقرا للحكم وعاصمة للدولة العمانية منذ بداية الإمامة الثانية وهي تلك الإمامة التي بدأت من عام 177هـ في عهد الإمام محمد بن أبي عفان اليحمدي وتنتهي في عام 280هـ بمقتل الإمام عزان بن تميم الخروصي وهزيمة العمانيين على أيدي الجيش العباسي بقيادة محمد بن نور وقبل هذه الإمامة ، كانت هناك الإمامة الثانية التي تنسم عرشها الإمام الجلندى بن مسعود ـ رضي الله عنه ـ الذي كان أول إمام بعمان ، بين عامي ( 132هـ - 134هـ ) والتي انتهت بمقتل الإمام الجلندى ومعظم جيشه على يد القائد العباسي خازم بن خزيمة وجيشه العباسي .
وكانت العصمة للإمامة الأولى هي صحار ، خزانة الشرق وعروس الدنيا ، وقبل ذلك كانت العاصمة العمانية متنقلة بين صحار الساحلية وتوام ( البريمي ) ما وراء الجبل .
وعندما تهيأت الظروف بتشكيل الدولة وإقامتها في إطارها الأمامي رأى أولئكم القادة الميامين والسادة المكرمون نقل العاصمة العمانية من صحار إلى نزوى ، وفعلا عند ظهور الإمامة الثانية تم نقل العاصمة واتخاذ نزوى عاصمة للدولة العمانية .
ويقول الشيخ سالم بن حمود السيابي – رحمه الله – معللا انتقال العاصمة العمانية من صحار الى نزوى ( بما معناه ) : بأنه كان نتيجة اشتداد الغارات الأجنبية على صحار بحيث صار عرش الزعامة في صحار مهددا دائما ، وكون نزوى بعيدة عن ذلك فهي مأمونة من غارات الأعداء لكونها واقعة في قلب عمان .
على كل حال ، فقد تم نقل العاصمة من صحار إلى نزوى منذ بداية عهد الإمامة الثانية ( سنة 177هـ ) وهكذا أصبحت نزوى عاصمة المملكة العمانية لوقت طويل في تاريخ عمان ، وقويت فيها دولة الإسلام ، وارتفعت رايته عالية شامخة خفاقة تحمل معلني العدل والحق والحرية والمساواة ، وصارت نزوى قاعدة هذه المعاني الإسلامية و الإنسانية النبيلة وسيدة مناطق النفوذ العماني العادل المستقيم .
ثانيا : وجود العلماء :
وبما ان نزوى قد أصبحت عاصمة الإمامة الثانية وأصبحت نتيجة لذلك مركز الثقل في تلك الإمامة فأنه من الطبيعي وجود عدد كبير من العلماء الذين جاءوا إليها لعدة أسباب ، ويعتبر وجود عدد كبير من العلماء في عاصمة الدولة من العوامل التي أكسبت نزوى تلك المكانة الاجتماعية المرموقة . وكان هذا التواجد العلمي شهدته نزوى على مر التاريخ سواء كان أولئك العلماء الذين نشأوا فيها او الذين انتقلوا إليها ، بحكم كونها عاصمة ، فمنذ عهد الإمام أبي الشعثاء جابر بن زيد الأزدي ـ رضي الله عنه وأرضاه ـ الذي ولد ونشأ في قرية فرق أحدى قرى نزوى وهي لا تزال تشهد وجود ذلك العدد من العلماء والفضلاء والأخيار في كل زمان ، ويظهر ان لحملة العلم إلى المشرق وهم مجموعة علماء الذين تلقوا العلم في البصرة على يد الإمام المحدث الفقيه الربيع بن حبيب الفراهيدي ـ رضي الله عنه ـ دورا مهما وبارزا في القيام بنهضة علمية في عمان ولا سيما في منطقة الداخل ـ نزوى وما حملها ـ هيأت لهم ومكنتهم من القيام بإعادة الإمامة وإقامة الدولة ، وكان أولئكم العلماء وهم موسى بن أبي جابر الازكوي وبشير بن المنذر النزوي ومنير بن النير الريامي الجعلاني ومحمد بن المعلى الكندي ومعهم محبوب بن الرحيل القرشي ، وقد عادوا إلى عمان بمعية إمامهم وشيخهم الربيع بن حبيب الفراهيدي .
يتبع............