العسل
إن يد القدرة الإلهية .. التي خلقت الإنسان وأوجدته .. عرفت ضعفه في
هذا الخضم المائج من الحياة، الممتلئة بالصراع من أجل البقاء... فزودته
بما يكفل له بقاءه واستمرار نوعه .
وكان أن الله عز وجل أوجد النحل ، وسخره ليعمل العسل.. وجعل في العسل
مذاقاً حلواً، وطعماً شهياً فريداً .. الأمر الذي اجتذب الإنسان إليه
.. فجعله يعتمده في التغذية منذ أكثر من ستين فرناً خلف .. قبل أن يعرف
الخبز واللبن والحبوب .. بل فبل أن يفلح الأرض و يستأنس الحيوان .. إذ
أنه كان يجمعه من أعشاش النحل المنتشرة في الغابات و الفضل الإلهي فيما
أنعم الله به على الإنسان بالعسل .. لا يتجلى في أنه سخر له من سيصنع
له غذاءً مناسباً، منذ عهود العصر الحجري وما قبل التاريخ بل إن ذلك
الفضل ليتجلى في أنه جعل العسل مادة حلوة، شهية المذاق، تجذب إليها
الإنسان، لينعم ، ليس بطيب مذاقها فحسب، بل بطيب فضل شقائها من حيث لا
يدري .. قال تعالى عن العسل : فيه شفاء للناس .
لقد عرف المولى عز وجل، عجز الإنسان، في القرون الغابرة، عن اتخاذ
الغذاء المناسب، والدواء الشافي لما قد ينتابه من أمراض .. فأوحى إلى
النخل أن اتخذي من الجبال بيوتاً ومن الشجر ومما يعرشون .
ثم ألهمها طريقة صنع العسل، ووضع الزيوت الطيارة فيه، لتعطيه نكهته
الشهية، فيجذب إليه الإنسان الجاهل ثم كلي من كل الثمرات فاسلكي سبل
ربك ذللاً، يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه.
وما ذلك إلا ليستفيد الإنسان مما أودعه الله في العسل من قدرة طبية
شافية، ومقدرة وقائية مانعة للأمراض فيه شفاء للناس .
ما أعظم هذا الفضل الإلهي .. إن في ذلك لآيةٌ لقوم يتفكرون .
وإن الفضل الإلهي هذا .. ليزداد وضوحاً، إذ ما عرفنا أن العسل لا يزال
يحافظ على كفاءته الطبية الممتازة .. على الرغم من وجود الأدوية الطبية
الحديثة والمضادات الحيوية .
وحري بالإنسان اليوم، أن يطأطأ رأسه خشوعاً أمام هذا الفضل الإلهي
الكبير .. عندما يعلم رأي الطب الحديث، المعتمد على العلم والتجربة
العلمية .
ذكر العسل في القرآن و السنة :
يقول الله تعالى في كتابه العظيم ( ثم كلي من كل الثمرات فاسلكي سبل
ربك ذللا يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس إن في ذلك
لأيةً لقوم يتفكرون ).
وقال صلى الله عليه وسلم (عليكم بالشفاءين: العسل، والقرآن).
وقال أيضاً من لعق العسل ثلاث غد وات من كل شهر، لم يصبه عظيم من
البلاء ) .
وعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: (كَانَ النَّبِيُّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعْجِبُهُ الْحَلْوَاءُ
وَالْعَسَل) .
وجاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: أخي يشتكي بطنه ..
فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يسقه عسلاً .
# فقال : إني سقيته ، فلم يزده إلا استطلاقاً .
# فقال صلى الله عليه وسلم : اسقه عسلاً .
# فسقاه .. فبرئ .
# فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : صدق الله وكذب بطن أخيك !
# وألمّ المرض بعوف بن مالك ، فقيل له : ألا نعالجك ؟
# فقال : إيتوني بماء .. فإن الله تعالى يقول: (وأنزلنا من السماء
ماءً مباركا).
# ثم قال : إيتوني بعسل .. فإن الله تعالى يقول: ( فيه شفاء للناس
).
# ثم قال : إيتوني بزيت .. فإن الله تعالى يقول : (من شجرة مباركة
زيتونه).
# فجاؤه بكل ذلك .. فخلطه .. ثم شربه .. فبرئ.
شكل العسل :
وقبل أن نخوض في عرض الآراء العلمية، للإستطباب بالعسل لا نرى بأساً في
أن نلقي نظرة سريعة على أوصاف العسل :
من المتعارف عليه أن للعسل أربعة ألوان هي :
1. العسل الأبيض
2. العسل الكهرماني الفاتح
3. العسل الكهرماني
4. العسل الكهرماني الداكن ( الغامق ).
ولقد أشار المولى سبحانه إلى اختلاف ألوان العسل في الآية الكريمة في
سورة النحل : ثُمَّ كُلِي مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ
رَبِّكِ ذُلُلاً يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ
أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاء لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ
يَتَفَكَّرُونَ (69)
ولكأني بهذه الآية الشريفة، وهي تربط بين اختلاف الأراضي التي يسلكها
النحل من جهة أخرى تشير إلى حقيقتين علميتين، عن سبب اختلاف ألوان
العسل، أقرتها المتابعة العلمية الحديثة .
أولى هاتين الحقيقتين العلميتين: إن اختلاف مرعى النحل يؤثر تأثيراً
كبيراً في لون العسل .. وذلك لأن نوعية الرحيق وقف على نوعية الأزهار
التي يرعاها النحل.
وثاني الحقيقتين العلميتين: إن اختلاف تركيب التربة الكيماوي بين بقاع
الأرض المختلفة .. يؤدي إلى اختلاف لون العسل .. ذلك أن رحيق الأزهار
يعتمد اعتماداً كبيراً على ما يمتصه النبات من المعادن التي في التربة
... وحيث كانت كمية المعادن تختلف باختلاف بقاع الأرض .. فإن من
الطبيعي لذلك أن يختلف لون العسل .
وأما الحقيقة العلمية الثالثة، في اختلاف لون العسل، والتي لم تشر
إليها الآية القرآنية المارة الذكر، لا من بعيد ... فهي أن اختلاف لون
العسل يعتمد أيضاً على الأقراص الشمعية المستعملة في الخلية .. فإذا
كانت هذه الأقراص جديدة أعطت عسلاً فاتح اللون .. وإذا كانت قديمة أعطت
عسلاً داكناً .
ولكن التمحيص في هذه الحقيقة العلمية، المؤثرة في لون العسل .. يدلنا
على عظمة القرآن .. كما يشير إلى بلاغته التي اقتضت أن يعطي من الحقائق
العلمية، ما يتطلبه الموقف، وبصورة بالغة اللطف .. حتى يتمكن الإنسان
من تفهمها و هضمها تماماً.
ذلك أن هذه الحقيقة العلمية الثالثة، المؤثرة في لون العسل ... يدلنا
على الرغم من صحتها فهي ذات تأثير عارض ليس بطبيعي .. إذ أن اختلاف
الأقراص الشمعية بين القدم والجديد، غنما مرده إلى ما يحدثه الإنسان،
اليوم، الذي يضع الأقراص القديمة في خلية النحل .. أما عسل النحل ..
كما يصنعه النحل .. دون أن تتدخل فيه يد الإنسان الطماع .. فإنه لا
يتأثر مطلقاً بهذه الحقيقة العلمية الثالثة ... لأنه لا أثر لها، ولا
وجود لها، في الأحوال الطبيعية .
ومن أجل ذلك لم تشر الآية الكريمة إلى هذا الأمر مطلقاً، لأنها تعالج
قضية العسل، كما ينتجه النحل ، وفقاً للوحي الإلهي .
التركيب الكيماوي للعسل :
ومهما يكن من أمر اختلاف لون العسل .. فانه بجميع ألوانه يحتوي على
المركبات التالية :
# الغلوكوز (سكر العنب) : وهو يوجد بنسبة 75%والسكر الأساسي الرئيسي
الذي تسمح جدران الأمعاء بمروره إلى الدم .. على عكس بقية الأنواع من
السكاكر ـ وخاصة السكر الأبيض المعروف علمياً بسكر القصب ـ التي تتطلب
من جهاز الهضم إجراء عمليات متعددة، من التفاعلات الكيماوية،
والاستقلابات الأساسية، حتى تتم عملية تحويلها إلى سكاكر بسيطة أحادي
كالغليكوز ـ يمكن الدم امتصاصها من خلال جدر الأمعاء، هذا وإن سكر
الغليكوز الذي في العسل .. بالإضافة إلى كونه سهل الامتصاص .. فإنه سهل
الادخار ذلك أنه يتجه بعد الامتصاص إلى الكبد مباشرة فيتحول إلى
غلوكوجين، يتم ادخاره فيه لحين الحاجة .. فإذا ما دعت الضرورة
لاستخدامه .. يعاد إلى أصله غلوكوز يسير مع الدم ، ليستخدم كقوة محركة
في العضلات. ومن الملاحظ أن القيمة الحرارية للعسل مرتفعة جداً،
لاحتوائه على الغلوكوز .. وقد ثبت أن كيلوغراماً واحداً من العسل يعطي
3150حريرة .
# بعض الأحماض العضوية بنسبة 0,08 % ثمانية إلى عشرة آلاف .
# كمية قليلة من البروتينيات .
# عدد لا بأس به من الخمائر الضرورية لتنشيط تفاعلات الاستقلال في
الجسم، وتمثيل الغذاء ..ونستطيع أن نتبين الأهمية الكبرى لهذه الخمائر
التي توجد في العسل إذا ما عرفنا و وظائفها المبينة فينا يلي
# خميرة ( الأميلاز ): وهي التي تحول النشاء الذي في الخبز ومختلف
المواد النشوية ، إلى سكر عنب غلوكوز .
يتبع...........